مواطن لبناني كتب يقول "قررت وزارة التربية إجراء الامتحان للطلاب يوم عرفة واستكمالها يوم الاثنين مباشرة، أي رابع أيام العيد، غير آبهة بالحالة النفسية للتلميذ في هذه الأوقات.. هنا نسأل أين دور المرجعيات الدينية الاسلامية لماذا في أعياد الطوائف الأخرى تأخذ العطلة قبل العيد بعدة أيام وبعده بعدة أيام وهل ستكون النتائج صحيحة في هذه الأوقات؟".. هكذا تسأل المواطن اللبناني عن جدول الامتحانات في بلاده.
وهنا وددت القول للمواطن اللبناني أن وضع الامتحانات في مصر تأديب وتعذيب للمعلم، وإمعاناً في إفلاسه المادي، لأن وزير التعليم أبن صاحبة المدارس الخاصة يدير الوزارة بنظرية "مدارس ماما".. فقد قرر إجراء امتحانات الدبلومات الفنية من يوم الخميس 29 مايو حتى 4 يونيو، وتستأنف من التاسع (أي رابع أيام العيد) إلى الثالث عشر من يونيو 2025.. ذلك بخلاف الامتحانات العملي.. والسؤال لماذا لم تبدأ الامتحانات قبل العيد أو بعده، أم أن المسألة إمعان التنكيل بالمعلمين العاملين بنظام أشبه بالسخرة؟!
** المعلم يساوي فنجان قهوة
يعيش المعلم في نظام التعليم الفني العذاب أيام الامتحانات، ناهيك عن أيام التهذيب طوال العام الدراسي مع مجموعة من الطلاب غالبيتهم لا يجيد القراءة والكتابة، ولا يحترم المدرسة والمعلم، وكل همه الحصول على شهادة الدبلوم من أجل التجنيد ليقضي عامين بدلاً من 3 أعوام.. بمنطق بلد شهادات.
المعلم الذي لا يتجاوز أساسي راتبه 600 جنيه شهرياً، ما يعادل 12 دولار أمريكي في الشهر، بواقع 20 جنيها لليوم، والتي تساوي حالياً ثمن فنجان قهوة.. يعمل طوال العام مع طلبة غابت عنهم التربية والاحترام للمعلم والمدرسة، ولو تجرأ معلم أو معلمة على أحدهم، لتجاوزه حدود الآدب والاحترام للمعلم، تعرض للإهانة، وربما جرجرته لقسم الشرطة، ليتحول المعلم من مظلوم لظالم. فضلاً عن تعرضه للإهانة من وزارته أيضاً، التي لا تسعى لتحسين وضعه، ومنحه المكانة التي يستحقها، فهي تبحث عن التنكيل به، ولا تكتفي بما يتعرض له طوال العام، بل تكمل عليه أيام الامتحانات، والتي تعد بالنسبة لمعلمي التعليم الفني، رحلة تعذيب وتأديب، تشبه تماماً قضاء عقوبة السجن في قضية حكم فيها على البريء بما لم يرتكبه.
تبدأ رحلة المعاناة من اختيار لجنة الكنترول الرئيسية لتوزيع المعلمين من الجنسين، على لجان الامتحانات على مستوى الجمهورية، دون مراعاة للتوزيع الجغرافي والجنس، وعدم توفير أماكن إقامة لائقة بآدمية المعلمين.. فهل يعقل أن يتم تعيين معلمات من القاهرة مثلاً لتولي رئاسة لجان ومراقبة الامتحانات بمحافظات الدلتا والصعيد؟ وإلزام معلمين من أقصى الصعيد للمراقبة بمحافظات الوجه البحري أو بشمال الصعيد؟!، ناهيك عن أماكن الإقامة بفصول المدارس، التي يتم تحويلها لعنابر نوم، للرجال والنساء.. مع مراعاة أن لكل منهم مدرسة للإقامة.
أحد المعلمين قال لي: "إن المدرسة التي أقام بها تم استخدام ديسكات الطلاب "التخت" كأسرة بوضع مراتب عليها، ودورة المياه تكون في مكان بعيد، فدورات المياه بالمدارس عادة تكون بالفناء".. وماذا يكون الوضع لمعلمة تركت بيتها وأولادها، عليك أن تتخيل المشهد، وتسأل مدير "مدارس ماما"، كيف يقيم المعلم أو المعلمة بذلك الوضع غير الإنساني؟ وهل يقبل على والدته أو شقيقته أو زوجته ذلك الوضع؟ هل يقبل هو شخصياً الإقامة هكذا؟، وأين دور نقابة المعلمين واستراحاتها من ذلك، وهي تحصل ملايين الجنيهات من المعلمين شهرياً؟.. وكم يتقاضى المعلم أو المعلمة من بدل في رحلة العذاب تلك؟
من المضحكات المبكيات في ذلك الوضع، أن أساسي راتب أعلى درجة وظيفية وهي معلم كبير لا يصل إلى 600 جنيه شهرياً، وفقا لأساسي عام 2014، يحصل الملاحظ (وهو الذي يقوم بمراقبة الامتحان داخل اللجنة) والمراقب (المنوط به مراقبة اللجان) على بدل يومين عن كل يوم بواقع لا يتعدى 40 جنيها ؛ ورئيس اللجنة والمراقب الأول فيحصل كل منهما على 4 أيام بدلا عن كل يوم بواقع لا يتجاوز 80 جنيها. ومراقب الكنترول ومساعديه 3 أيام، بما لا يصل إلى 60 جنيها، مع عدم احتساب أيام الجمع والعطلات الرسمية، وبدل السفر فيحسب على حساب أقل سعر، بخلاف أن هذه المكافأة يخصم منها ضرائب وخلافه على أساس ما يتقضاه المعلم في عام 2025!!
أي تقدير ذلك، وأي احترام، لمن قال عنهم أمير الشعراء أحمد شوقي "كاد المعلم أن يكون رسولا"، أحد المعلمين الصعايدة قدم لي كشف حساب سفريته كالتالي: تذكرة قطار من بلدته للقاهرة بمبلغ 250 جنيها؛ وتذكرة سفر من القاهرة للمحافظة الأخرى مقر لجنته 130 جنيها، أي 380 جنيها ذهاباً ومثلهما عند عودته ليكون إجمالي السفر فقط 760 جنيها، إضافة إلى ما يقرب من 200 جنيه يومياً للإعاشة، وبذلك يحتاج المعلم أو المعلمة لقرابة 2000 جنيه لتناول طعامه في 10 أيام!!
ووفقاً لتلك الحسبة المتقشفة، فإن متوسط ما سيحصل عليه المعلم أو المعلمة ربما لا يتجاوز الألف جنيه.. وفي حالتنا هذه (الثانوية الفنية) سيضطر المعلم لدفع أجرة السفر مرتين أي 1520 جنيها، لقضاء العيد مع أولاده.. بخلاف مصروفات المعيشة 2000 جنيه، وبالتالي خسر المعلم أو المعلمة قرابة 2000 جنيه من دخله، بخلاف الإقامة المهينة.
يقال إن مدير "مدارس ماما" يرغب في زيادة عدد أيام السنة الدراسية، ويفكر في زيادة النصاب القانوني للحصص من 16 إلى 30 حصة أسبوعياً للمعلم أو المعلمة، لعدم تعيين معلمين جدد، علماً بأن الموظفين والعاملين بديوان الوزارة الجالسون في المكاتب المكيفة يحصلون على مكافأة سنوية قدرها 600 يوم والمعلمين على 200 يوم، أي ما يعادل 4 ألاف جنيه وفقا لأساسي 2014، وبعد الخصومات وفقا لـ 2025 كم سيحصل؟
من الواضح أن نظرية "مدارس ماما" ليست لإصلاح وصيانة التعليم، وإنما لتعذيب المعلمين وبث روح الكراهية لمهنة التدريس.. وإذا كان اللبناني يسأل عن الحالة النفسية للتلاميذ فماذا عن الحالة النفسية لمن كاد أن يكون رسولاً؟!
---------------------------------
بقلم: محمد الضبع